الحدود القانونية لحماية الحيازة (مقاربة نقدية لنصوص القانون اليمني)
Abstract
الحيازة عنوان للملكية الظاهرة بل يمكن القول إنها في أهميتها تكاد تفوق على حق الملكية لكونها أداة فعالة لاستغلال الأشياء والحقوق والانتفاع بها، فغالباً ما يكون حائز الشيء هو مالكه.
ورغم أن الحيازة ليست إلاّ مجرد حالة واقعية فإن لها في نظامها القانوني دوراً هاماً ووظائف خطيرة، فهي تحتل مكان الصدارة من بين أسباب كسب الملكية باعتبارها المظهر المادي الملموس الذي يمكن من ممارسة حق الملكية ممارسة فعلية، وهي بتنظيمها والعمل على حمايتها تعد مظهرا من مظاهر حماية الاستقرار والأمن في المجتمع، وذلك بتقدير المراكز القانونية القائمة واحترام الأوضاع الواقعية الظاهرة، كما أنها تعتبر صورة من صور تفعيل التنمية الشاملة في المجتمع خاصة إذا تعلق الأمر بحيازة العقار .
ففكرة الحيازة كنظام قانوني مستقل عن نظام الملكية تقوم على سيطرة فعلية يمارسها الحائز على الشيء المادي عقاراً كان أم منقولا ويتصرف فيه تصرف المالك .
هذه الفكرة التي غدت نظاماً قانونيا متكاملاً أولتها التشريعات الوضعية عناية خاصة سواء الموضوعية منها أو الاجرائية، فالمشرع اليمني يتناول موضوع الحيازة ضمن أحكام القانون المدني وذلك في القسم السادس المعنون بالثبوت (الحيازة) في المواد من (1103،1118) التي تعرض لأحكام الحيازة وآثارها، كما تناولها ضمن أحكام قانون المرافعات والتنفيذ المدني بشكل مختصر في المادتين (239،240)، تحت فصل القضاء المستعجل.
وبما أن نطاق بحثنا هذا يتحدد في حدود الحماية القانونية للحيازة، فالمتطلب بحثه هو بيان علاقة مفهوم الحيازة في القانون المدني بمفهومها المحمي جنائياً، أي إيضاح حدود حماية الحيازة جنائياً بالتوافق مع حدود حمايتها مدنياً حتى نخلص إلى تكوين رؤية قانونية شاملة لأحكام المشرع اليمني التي وضعت أساساً لحماية الحيازة بشقيها المدني والجنائي، فحيازة العقار مسألة مدنية في جوهرها يختص بتنظيم أحكامها القانون المدني، بيد أن الواقع ومنازعاته، وبالذات عندما يلبس النزاع ثوب الجريمة، يبين بجلاء عدم كفاية الحماية التي أسبغها القانون المدني للحيازة عن طريق دعاوى الحيازة، وتفادياً لقصور الحماية المدنية للحيازة رأينا أن نوسع نطاق بحثنا ليشمل نوعاآخر من الحماية هو (الحماية الجنائية)، وهذا ما تطلب منا البحث في قانون الجرائم والعقوبات لمعرفة القواعد الجزائية التي حددها القانون لردع الاعتداء الواقع بالقوة على الحائز، وفيه وجدنا المشرع الجنائي قد تدخل في وضع أحكام جزائية تحمي حائز العقار في المادة (321) المعنونة بالاعتداء على حرمه ملك الغير، والمادة (253) المعنونة بانتهاك حرمة المسكن.
فرائد المشرع الجنائي في هذه الحماية لم يكن يريد إحداث ازدواج في الحماية القانونية يتساوى فيها مع المشرع المدني، بل يريد استهداف مصلحة أخرى غير المصلحة المدنية، فالمصلحة المحمية ليست مجرد المصلحة المدنية المتولدة عن حيازة العقار، بل المصلحة الاجتماعية لحرمة هذا العقار، لأنها خليط ما بين المال وحرمة الحياة الخاصة.