يعقوب الحضرمي ومروياته الحديثية في الكتب التسعة جمعا وتخريجا ودراسة 1446هـ ـ 2025م
Abstract
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ﱡﭐ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُﱠ " [فاطر:٣٢]. والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على البشير النذير، السراج المنير، رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آلة وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم المصير.
وبعـــد:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ^ ([i])، وقد أتمّ الله -I- النعمة على هذه الأمة بمبعث النبي الهادي ^، وبحفظ كتابها ومصدر تشريعها، ومِن حفظِ كتابها حفظُ سنة نبيها؛ وذلك لأنّ السنةَ مبينةٌ لمجمَله، ومفسرة لمشكله، وموضحة لمبهمه؛ قال الله تعالى:" ﱡﭐ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَﱠ [النحل:44].فسنة النبي ^ عِلم جليل القدر، عظيم النفع، اختص الله به هذه الأمة دون غيرها من الأمم، وهيّأَ لهذا العلم أعلاما - من قديم الزمن إلى يومنا هذا- «يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ»([ii])، فحفظوه ووعَـوه، وذادوا عن حياضه، على امتداد العصور، وعملوا على نقل مروياته والتثبت منها، جيلا بعد جيل.
وانطلاقا في مراتب هذا الشرف تصدّر علماء لهم قدم صدقٍ في القراءة والإقراء، فأضافوا إلى ذاك الشرف شرفَ رواية السنة النبوية، فكان لعلماء الإقراء نصيب وافر من ذلك الشرف، ومن بين أولئك الأعلام الأفذاذ: الإمام يعقوب الحضرمي أحد القراء العشرة.
فسعيت لتسليط الضوء على جهوده في روايته للسنة النبوية؛ إيمانا بأهمية هذا الموضوع، ورغبة في الاستفادة والاطلاع، مسميا هذا البحث:( يعقوب الحضرمي ومروياته الحديثية في الكتب التسعة جمعا وتخريجا ودراسة).
([i]) هذا جزء من حديث صحيح عن جابر، أخرجه جمعٌ من أهل العلم، منهم: مسلم، في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم الحديث: (867)، بلفظ: «فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ»، والنسائي، في كتاب صلاة العيدين، باب كيف الخطبة، رقم الحديث: (1578) ولفظه: «إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ»، وابن ماجه، في أبواب السنة، باب اجتناب البدع والجدل، رقم الحديث (45)، ولفظه: «فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ»، وأحمد، في مسند جابر بن عبد الله، رقم: (14334) واللفظ له.
([ii]) هذا جزء من حديث جاء من طرق عدة، عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ﭭ، وأخرجه جمع من أهل العلم، منهم: البزار في مسنده (البحر الزخار)، رقم الحديث: (9423)، وهو ضعيف جدا؛ لوجود خالد بن عمرو القرشي، فهو كما قال البزار عقب الحديث: « وخالد بن عمرو هذا مُنْكَر الحديث قد حدث بأحاديث عن الثوري وغيره لم يتابع عليها، وهذا مما لم يتابع عليه». وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى بسنده عن التابعي إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرسَلا، في باب: الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول: كفوا عن حديثه ...، رقم الحديث: (20911)، ولفظه: « يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ» وهو ضعيف؛ لكونه مرسلا.
وأما ما أورده الخطيب البغدادي في: [شرف أصحاب الحديث، (29)] من تصحيح الإمام أحمد بن حنبل لهذا الحديث، فالظاهر من كلامه أنه لم يصححه من حيث الإسناد، وإنما صحح معناه؛ لأن السائل إنما قال له بعد ذكر هذا الحديث: كأنه كلام موضوع؟ فكان رد الإمام أحمد: «لا، هو صحيح». لاسيما وقد ذكر إسنادًا مرسلًا. والله أعلم.